إلى شباب المسلمين المتحمسين لدينهم: "لا تكونوا إمعة"

إلى شباب المسلمين المتحمسين لدينهم

"لا تكونوا إمعة"

إن واقعَ الشباب المسلم في هذه الأيامِ يرثى له، واقع التفرق والتشرذم والضياع الفكري؛ لما عليه حال المسلمين وبلاد المسلمين، وفقدان القدوة وبوصلة التوجه الصحيح بهدى الله، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ حيث قال: "تفترقُ أمتي على ثلاثٍ وسبعينَ فرقةً... "؛ (رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وابن حبان والحاكم من حديث أبي هريرة).

هذا التفرق تقوده أيدي خفية، منذ الفجر الأول للإسلام في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث كانت محاولة الوقيعة بين الأوس والخزرج بتدبير رجل من اليهود يُدعى "شاس بن قيس" وأصبحت الآن للماسونية العالمية اليد الطولى في ذلك.

هذا التفرق جعل أكثر شباب المسلمين في التيه: في عقيدته، وفي تبعيته، وفي فهمه لدينه. ولا يخفي على أحد أن هذا الشباب المسلم تم الزج به في معارك بين المسلمين بعضهم البعض... فكان هذا الشباب وقود هذه الحروب وضحيتها، وتم تدمير بلادهم بأيدي الغدر والخيانة.

إن أي مسلم – غيور على دينه - ليستشعر الأسى والحزن، وإنني لتتدفق دموعي وأنا أكتب هذه الكلمات باعتبار كل شابٍ مسلم ابنًا لي، وأنا شيخ كبير، وأعلم من واقع الحياة والعلم - كأستاذ جامعي - من هيمنة اليهود على مفاصل الحياة في كثير من بلاد العالم، بتخطيطهم وعملهم على مدار سنين طويلة دون كلل.

وللأسف لا يقابل هذا من جانب المسلمين ما يناظره من تخطيط وعلم، رغم ما لديهم من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

ومن هنا أوجه نصيحة إلى الشباب المكلوم من المسلمين من حديث نبينا عليه الصلاة والسلام؛ فيما رواه حذيفة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تكونوا إمعة، تقولون: إن أحسن الناس أحسنا، وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وطنوا أنفسكم؛ إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساؤوا فلا تظلموا"؛ (الترمذي).

لقد ظهر في مجتمعنا الإسلامي في الفترة الأخيرة أُناس يعشقون التبعية ليس لهم هوية... لا تعرف من هم؟ وما هي مبادئهم في الحياة؟

هويتهم كما يقولون: (المرجعية الفلانية، أو الولي الفلاني، أو فلان من أهل البيت، أو الداعية فلان، أو الشيخ فلان)، وكما أخبرنا عنهم القرآن إذ يقول تعالى: ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلا يَهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 170].

أيها الشاب المسلم؛ كن مثل أبي بكرٍ رضي الله عنه في فهمه وعقيدته الراسخة، عندما مات رسولُ الله ووقف عمر شاهرًا سيفه مهددًا من يقول أن محمدًا قد مات، فما كان من أبى بكر إلا أن قال قولته الشهيرة: " ألا من كان يعبد محمدًا صلى الله عليه وسلم فإن محمَّدًا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، وقال: ﴿ إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ﴾ [الزمر: 30] ، ثم قال: ﴿ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ﴾ [آل عمران: 144] ، فنشج الناس يبكون.

فعليك أن تصل في فهمك لدينك للدرجة التي لا تكون إمعة، تقلد العالم أو الداعية الفلاني، فهذه التبعية العمياء جرَّت الويلات على الشباب، فكان مصيرهم الفرقة والتناحر، دون علم.

واعلم أيها الشاب المسلم؛ أنَّ الله عز وجل قد يسر لك تعلم وفهم القرآن الكريم وتطبيقه في حياتك؛ إذ قال الله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ ﴾ [القمر: 17]؛ أي: سهلنا لفظه ، ويسرنا معناه لمن أراده، ليتذكر الناس، وقال تعالى: ﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [ص: 29] ، وقال تعالى: ﴿ فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا ﴾ [مريم: 97].

كما أن الله عز وجل جعل القرآن واضحًا بيِّنًا لمن أراد فهمه وتدبره إذا كان مؤمنًا؛ قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ جِئْنَاهُم بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَىٰ عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأعراف: 52].

﴿ قَدْ جَآءَكُمْ مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِراطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾ [المائدة: 15- 16].

اعلم أيها الشاب المسلم؛ أن ربك هو الذي ارتضى لك الإسلام دينا وهو الذي سماك مسلمًا، وهي مسميات الله وكلماته فتمسك بها ولا تتبع غيرها، وهذه آيات الله أنزلها على رسوله:

﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3].

﴿ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ ﴾ [الحج: 78].

﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [فصلت:33].

فلا تسم نفسك بغير ما سماك الله في كتابه.

﴿ إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ ۚ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ ۖ وَلَقَدْ جَاءَهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَىٰ ﴾ [النجم: 23].

أيها الشاب المسلم؛ قد جاءك من ربك الهدى، فلا تكن إمعةً وحكم عقلك، ولا تتبع من أراد أن يبعدك عن هدى ربك بمبررات واهية، لا يقبلها عقلُ عاقلٍ.

أيها الشاب المسلم؛ سيقول لك البعض: الكل يقول أنا مسلم فيجب أن تميز نفسك باسم آخر، فقل: أنا متمسك بما بقول الله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ ﴾ [الأعراف: 170].

كما أن البشر ليس لهم أن يحكموا على ما في صدور العباد فالله أعلم بالصرائر وليس أنت.

﴿ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ۗ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأعراف:54].

وعن أُسامةَ بنِ زَيْدٍ رضي اللَّه عنهما قَالَ: بعثَنَا رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم إِلَى الحُرَقَةِ مِنْ جُهَيْنَةَ، فَصَبَّحْنا الْقَوْمَ عَلى مِياهِهمْ، وَلَحِقْتُ أَنَا وَرَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ رَجُلًا مِنهُمْ، فَلَمَّا غَشيناهُ قَالَ: لا إِلهَ إلَّا اللَّه، فَكَفَّ عَنْهُ الأَنْصارِيُّ، وَطَعَنْتُهُ بِرُمْحِي حَتَّى قَتَلْتُهُ، فَلَمَّا قَدِمْنَا المَدينَةَ بلَغَ ذلِكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لِي: يَا أُسامةُ! أَقَتَلْتَهُ بَعْدَمَا قَالَ: لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ؟! قلتُ: يَا رسولَ اللَّه إِنَّمَا كَانَ مُتَعَوِّذًا، فَقَالَ: أَقَتَلْتَهُ بَعْدَمَا قَالَ: لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ؟! فَما زَالَ يُكَرِّرُهَا عَلَيَّ حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ قَبْلَ ذلِكَ الْيَوْمِ؛ متفقٌ عَلَيهِ.

هذه كلها أدله دامغة من كلام الله ورسوله، وليست تفسيرات ولا تأويلات.

فهل تدبرت أيها الشاب المسلم هذه الأدلة، أم إنك تتبع كلام غيرك من البشر بدون عقل فتكون إمعة تهلك نفسك وغيرك فتفرق دينك وتشتت أمتك، ﴿ إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ۚ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ﴾ [الأنعام: 159].

إنها رسالة إلى متبع كل مخادع، انظر من تتبع خشية أن يجمع الله بينك وبينه يوم القيامة فلا تلومن وقتها إلا نفسك.

وما أفسد شبابنا بشتى أنواع الانحراف إلا التبعية لأفكار تأتى بما يخالف تعاليم الإسلام وما ذلك الانسياق إلا نتيجة عدم الارتباط بما جاء في كتاب الله، وصحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وكيف بك أيها المقلد الأعمى تتمنى لو تُرد إليك روحك مرة أخرى فتتبرأ منهم في الدنيا قبل الآخرة؛ إذ يقول الله تعالى: ﴿ إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَٰلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ ﴾ [البقرة: 166 ، 167].

إن المؤمن الحق من كان هواه تبعاً لدينه، وكان هدفه من دنياه أن تكون مزرعة للآخرة، وأن يكون رائده في شأنه كله القرآن والسنة، وأن يكون مبلغ همه رضا الله عز وجل دون غيره.

اللهم احفظ شباب المسلمين وبلاد المسلمين من كيد أعداء المسلمين. وحد صفوفهم واربط على قلوبهم ووفقهم في دينهم ودنياهم لما تحبه وترضاه.